للوفاء دور مهم في حياة البشر ، فهي صفة متحالفة مع
الصدق ، وقد لا تستغني عنها ، والتحلي بها من سمات العرب ، كما وصى الإسلام على
التحلي بها في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، لما لها من أهمية كبرى
في حياتنا ، يقول تعالى : ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا
تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ
عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ ، فهذا أمر مباشر من
رب العباد ـ سبحانه وتعالى ـ بالالتزام بالوفاء بالعهد ، وإن لم يكن لها أهمية
قصوى ، لَمَا جعلها بصيغة الأمر المباشر .
إن الوفاء بالعهد طريق لنشر
صفات كثيرة في المجتمع ، فمن خلالها تنتشر الرحمة والتسامح والمودة والإخاء .... ،
أما إذا انعدم الوفاء من البشر ، فهذا طريق لانهيار المجتمع ، وابتعاد الناس عن
القيم الأخلاقية الأخرى ، مما يؤدي إلى بعدهم عن عبادة رب العباد والإيمان به .
والوفاء بالعهد لا يكون في
أمر واحد أو شيءٍ معين ، بل يشمل تقريبا كل الاحتياجات اليومية والتعاملات الإنسانية
والأعمال المختلفة ، فالوفاء بالعهد أو الوعد يحتاجه العمل اليومي أو الوظيفة التي
يمتهنها الإنسان ، حيث إن بداية الوظيفة تتطلب عقدا للعمل ، هذا العقد بمثابة عهد
على الفرد يجب الالتزام به ، فإن أخل بالعقد فقد أخَلَّ بالعهد في عمله ، مما
يترتب عليه أمور سيئة كثيرة ، وقد تصل إلى أن يكون المال الذي يكسبه تشوبه ( المال
الحرام ).
كما أن الوفاء بالعهد يلتزم
به المرء مع أهل بيته وأقاربه وأصدقائه ، وكل من في المجتمع ، وحين نستمع إلى قول
الله ـ تعالى ـ : ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ
وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا
أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾.
فهنا أمر بعدم أخذ ما تم
إعطاؤه للزوجة ، إن تم الفصل بينهما ـ لا قدر الله ـ ، وهذا أيضا من باب الوفاء بالعهد
.
أما الوفاء بالعهد في البيع
، فما يدل عليه من القرآن الكريم آيات كثيرة ، أحيانا بالأمر بالوفاء ، وأحيانا
أخرى بالنهي عن نقض العهد .
فيقول تعالى في الوفاء بصيغة
الأمر : ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ
الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا
نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ
ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ﴾.
ويقول تعالى في الوفاء بصيغة
النهي : ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا
تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.
فهذه الآيات وغيرها دالة على
الالتزام بالوفاء بالعهد ، وإذا بحثنا في السنة النبوية لوجدنا أن نبي الإسلام ـ
صلى الله عليه وسلم ـ حث على الالتزام بالوفاء بالعهد في السنة النبوية ، ومن هذه
الأحاديث ، ما رواه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: ((دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا فَقَالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَرَدْتِ
أَنْ تُعْطِيهِ قَالَتْ أُعْطِيهِ تَمْرًا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ
عَلَيْكِ كِذْبَةٌ)). (سنن أبي داوود) .
وأصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم عاهدوا الله تعالى، وَفُّوا وَصَدَقُوا؛ فَأَثْنَى عَلَيْهِم بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ
الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ ، وإن كانت الآية نزلت في أنس
بن النضر رضي الله عنه، إلا أنها جاءت بصيغة الجمع، فشمِلت كلَّ الصادقين من
أصحابه صلى الله عليه وسلم.
وكما جاء الحث على الوفاء
بالعهد في القرآن الكريم والسنة النبوية ، ورد بكثرة أيضا في أشعار العرب ، ونذكر
من هذه الأشعار
قال الأعشى : وإن امرؤ أسدى إليك أمانة ******
فأوف بها ، إن مت سميت وافيا
قال علي بن مقرب :
لا تركنن إلى من لا وفاء له ****** الذئب من طبعه إن يقتدر يثبِ
ولا تكن لذوي
الألباب محتقرا ****** ذو
اللب يكسر فرع النبح بالغرب
تعليقات
إرسال تعليق